مقابلة | تعذيب الأسرى في إسرائيل: جرائم حرب ممنهجة

تقدّمت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، نهاية الأسبوع الماضي، بشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية، ضد إسرائيل تتهمها من خلالها بتنفيذ جرائم حرب في ما يتعلق بتعذيب الأسرى والمعتقلين في أقبية جهاز الأمن العام (الشاباك) ومراكز التحقيق.

مقابلة | تعذيب الأسرى في إسرائيل: جرائم حرب ممنهجة

عناصر الاحتلال تعتقل فتى مقدسيًّا ("أ ب أ")

تقدّمت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، نهاية الأسبوع الماضي، بشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية، ضد إسرائيل تتهمها من خلالها بتنفيذ جرائم حرب في ما يتعلق بتعذيب الأسرى والمعتقلين في أقبية جهاز الأمن العام (الشاباك) ومراكز التحقيق.

وطالبت اللجنة المحكمة الجنائية الدولية، بفتح تحقيق ضد كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والشاباك، لمسؤوليتهم عن تنفيذ التعذيب الذي يُعدّ جريمة حرب.

ولم تقم السلطات الإسرائيلية حتى اليوم، بمعاقبة أو تجريم أي من محققي الشاباك، رغم الشكاوى الكثيرة التي قُدِّمت من قبل اللجنة وأطراف أخرى، فمنذ تأسيسها قدمت اللجنة أكثر من 1300 شكوى حول التعذيب، والمعاملة القاسية والمهينة للأسرى الفلسطينيين من قِبل محققي الشاباك، ولم يتم تقديم أي منهم للمحاكمة، ما يدل على توجه منهجي ودعم مؤسساتي من قِبل الدولة للممارسة التعذيب.

ويستثني القانون الإسرائيلي تحقيقات الشاباك من ضرورة توثيقها بالصوت والصورة، ويتيح بذلك ثغرة للمحققين باللجوء إلى التعذيب دون رقيب. وبالتالي، لا يتمّ توثيق الانتهاكات والتعذيب الحاصل في غرف التحقيق، وينكر المحققون بشكل منهجيّ، لجوءهم للتعذيب، حتى في الحالات التي وصل فيها الأسرى إلى المشافي وخضعوا للعلاج المكثف جرّاء تعذيبهم، كما في حالة الأسير سامر عربيد.

يُذكر أن إسرائيل ورغم توقيعها على الاتفاقية لمناهضة التعذيب، إلا أنها تمتنع عن سن قانون واضح ومباشر، يجرّم التعذيب.

لتسليط الضوء على الموضوع، أجرى "عرب 48" المقابلة التالية مع المحامية جنان عبده، الناشطة في

المحامية، جنان عبده

اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل.

"عرب 48": هل تضمّنت الشكوى أسماء لمسؤولين في الحكومة أو أجهزة الأمن الإسرائيلية، تنسب إليهم تهم ممارسة أنواع أو أساليب تعذيب بحقّ الأسرى الفلسطينيين والمعتقلين؟

عبده: توجهنا في اللجنة لمناهضة التعذيب وبالشراكة مع الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهي تنظيم عالمي لحقوق الإنسان، تأسس عام 1992 وينضوي تحت عضويته 192 تنظيما من 117 دولة، إلى محكمة الجنايات الدولية بمطلب أن تضيف المحكمة موضوع التعذيب إلى المواضيع التي تحقق فيها منذ العام 2021. وقدّمنا لهم ملفا قضائيا شاملا وواسعا يشمل معلومات حول استعمال التعذيب في إسرائيل، والذي يشكّل بنظرنا جرائم حرب، وذلك اعتمادا على ما تراكَم لدينا من خبرة ومعلومات على مدار 30 عاما منذ تأسيس اللجنة في العام 1990. شمل الملف معلومات عن حالات عينية رافقتها اللجنة خلال سنوات عملها. إضافة لتحليل قانوني للمخالفات والجنايات التي نرى أن إسرائيل قامت بها في هذا المضمار.

ويشمل الملف الذي قدمناه، أسماء مسؤولين كبار، لمسؤوليتهم عن استمرار السياسات التي تؤدي إلى التعذيب. بطبيعة الحال، إنّ عمل المحكمة، هو التحقيق مع مسؤولين كبار في الدول التي تُقدَّم فيها شكاوى بخصوص جرائم حرب لمسؤوليتهم عن سياسات تنفيذ الجرائم وإقرارها، أو عدم منع الجرائم وعدم مقاضاة الجناة الذين نفذوا هذه الجرائم.

في المقابل يتطرق الملف إلى 17 حالة تعرّض فيها أسرى فلسطينيون للتعذيب في مراكز تحقيق الشاباك، ويصف الأساليب والاعتداءات الجسدية والنفسية، وآثارها على الضحايا.

"عرب 48": كيف تكون آلية العمل في محكمة الجنايات الدولية بعد تلقيها الشكوى؟ هل تقوم باستدعاء مسؤولين إسرائيليين للتحقيق؟

عبده: كل الاحتمالات واردة، فمن الممكن أن ترفض المحكمة إضافة هذا الموضوع ضمن المواضيع التي تحقق فيها، أو أن تقبل، لكن قد لا تباشر بالتحقيق الفوري وقد تماطل في التحقيق. ويمكن أن توافق على تبني الموضوع وتضيفه لجدول أعمالها القريب.

في حال قررت المحكمة فتح تحقيق في قضايا التعذيب، سيتوجّب أن تجمع الأدلة باستدعاء الضحايا (الأسرى والمعتقلين) للإدلاء بإفاداتهم، وهنا نحن جاهزون لمرافقتهم وتقديم الدعم والمرافقة والمساندة القانونية المطلوبة لهم. وفي المقابل، سيتوجّب على المحكمة أن تستدعي المسؤولين عن هذه السياسات لمساءلتهم، ويمكن أن تستصدر أوامر اعتقال، أو منع سفر، وما إلى ذلك.

"عرب 48": ماذا يحدث في حال عدم تعاون إسرائيل مع هذه المحكمة، وأي صلاحيات تُمنح لها؟

عبده: إسرائيل ترفض التعاون مع المحكمة، ورغم أنها وقعت على اتفاقية روما والتي تشكل المرجعية القانونية لمحكمة الجنايات الدولية، إلا أن إسرائيل لم تقرّها، ولم تحوِّل مضامينها إلى قوانين داخليّة ملزِمة، وبالتالي لم تعطِ إسرائيل لهذه المحكمة، الصلاحية في أن تحقّق في جرائم تمت داخل حدود سيادتها. لكن في المقابل، وقّعت فلسطين عام 2015 على اتفاقية روما، وبهذا وافقت على أن تقوم المحكمة بالتحقيق في جرائم نُفِّذت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، منذ 13-6-2014.

صورة تُظهر إحدى وضعيات التعذيب التي تُرتكَب بحقّ الأسرى ("أ ب أ")

يشار إلى أن جرائم التعذيب ضدّ الأسرى الفلسطينيين تبدأ من لحظة اعتقالهم في المناطق المحتلة عام 1967، ويتمّ نقلهم إلى داخل حدود إسرائيل بشكل مخالف للقانون الدوليّ، وفيه خرق لاتفاقية جنيف الرابعة، ويتم التحقيق معهم في مقرات التحقيق في إسرائيل، ومن هنا بالإمكان فتح التحقيق ضدهم على هذا الأساس، وملاحقة المسؤولين، ومطالبتهم بالمثول أمامها، واستصدار أوامر اعتقال ومنع سفر كما ذكرتُ مسبقا.

"عرب 48": 1300 شكوى قُدِّمت في الماضي من قِبَلِكم ضد أجهزة الأمن الإسرائيلية والشاباك، كيف كانت تنتهي؟ هل عولجت بشكل موضوعيّ؟

عبده: 1300 شكوى وأكثر تم تقديمها منذ عام 2001 إلى المستشار القضائي، ولم يتم تقديم أي لائحة اتهام ضدّ أي من محققي الشاباك والمسؤولين عنهم. وتم رفض الشكاوى وإغلاقها في المرحلة المبكرة جدا. وفي الحالتين اللتين تم فيهما فتح تحقيق، وإحداهما هي قضية سامر عربيد الذي وصل من غرفة التحقيق فاقدا للوعي ومع علامات وآثار عنف وتعذيب واضحة، وكسور عدة في جسده؛ تمّ إغلاق الملف، ولم يقدَّم أي منهم للعقاب، والسبب "عدم وجود أدلة كافية"، وإن لم تكن كل هذه الأدلة كافية، فما هي الأدلة الكافية؟ الاستئنافات التي تم تقديمها رُفضت بالذريعة ذاتها، وحتى الحالات التي وصلت إلى المحكمة العليا كما في ملفي الأسيرين أسعد أبو غوش وفراس طبيش، اللذين تعرّضا لتعذيب قاسٍ وما يُسمّى "تحقيقا عسكريًّا"، لم تنصفهما المحكمة، وفشلت في تحقيق العدالة المتوخّاة منها، ولم تعتبر ما جرى معهما تعذيبا، وبذلك أعطت حماية لمحققي الشاباك وممارساتهم، وكأنها تجيز وتشرّع بمفهوم معين، الانتهاك الممنهج والمتواصل لحقوق الإنسان وللقانون الدولي.

امرأة فلسطينية تشير إلى آثار التعذيب الذي تعرّض له ابنها من قِبل عناصر الاحتلال حينما اعتُقِل خلال مظاهرة ("أ ب")

يشار هنا إلى أن القانون الإسرائيلي يستثني تحقيقات الشاباك من ضرورة تسجيلها بالصوت والصورة، ما يترك المجال للمحققين لإنكار تهمة التعذيب، ويقبل جهاز التحقيق إفاداتهم، وينفي أقوال الأسرى، ويساعد على إفلاتهم من العقاب.

الشكاوى التي نقدمها تعالج بمعنى يتم فحصها بالمسار القانوني، لكن واحدة من المشاكل الأساسية هي الحماية التي يعطيها القانون لمحققي الشاباك، إذ لا ينكر في العديد من الحالات المسؤول عن وحدة التحقيق، استخدام أساليب من التعذيب، وهم يعترفون أحيانا بأن التحقيق استمر أكثر من 30 ساعة متواصلة، وبأن المعتقلين يُمنعون من النوم وما إلى ذلك، لكنهم يعفون محققي الشاباك من المسؤولية. وليس أمام الضحايا أي مسار قضائي داخل إسرائيل، ومن خلال جهازها القضائي.

"عرب 48": هل هنالك قانون دوليّ يُلزِم أجهزة الأمن بتوثيق عمليات التحقيق مع الأسرى والمعتقلين السياسيين والأمنيين؟

عبده: هناك اتفاقيات خاصة تتعلق بحماية البشر الواقعين تحت الاحتلال كاتفاقية جنيف الثالثة، وأيضا تتعلق بحقوق المعتقلين السياسيين وكيفية معاملتهم، منها معاهدة روما واتفاقية جنيف الرابعة. وعلى سبيل المثال، ينصّ بند 76 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه يُحظَر على الدولة المحتلة أن تعتقل أو تنقل معتقلين من المناطق المحتلة خارج أراضيهم، الأمر الذي تنتهكه إسرائيل بشكل منهجي من خلال خطف الأسرى من بيوتهم وبلداتهم الفلسطينية، والتحقيق معهم داخل حدودها في مراكز التحقيق المعروفة كالمسكوبية في القدس والجلمة وعسقلان وبيتح تكفا، ومن ثم اعتقالهم داخل حدودها أيضا.

صور تظهر أساليب تعذيب الأسرى في سجون الاحتلال ("أ ب أ")

عادةً، حين توقِّع الدولة على اتفاقية ومعاهدة دولية، تقوم بإقرارها وتسنّ قوانين داخلية تتماشى معها، لكن إسرائيل امتنعت عن إقرار معاهدة روما ورغم توقيعها على اتفاقية مناهضة التعذيب كذلك، لم تسنّ أي قانون يمنع التعذيب.

بناء على الاتفاقية لمناهضة التعذيب فإن منع التعذيب هو أمر مطلق ولا يوجد له استثناء، ولا بأي ظرف من الظروف، لكن إسرائيل تشرعن ما تسمّيه "تحقيقات الضرورة"، وتنتهك بذلك القانون الدوليّ، وتستثني تصوير تحقيقات الشاباك بالصوت والصورة.

"عرب 48": أي عمليات أو أساليب تحقيق موثّقة لديكم ترقى لأن تكون جرائم حرب؟ وهل هنالك حدٌّ من العنف أو الضغوط المتعارف عليها دوليا يسمح باستخدامها ضد الأسرى والمعتقلين؟

عبده: ثلاثة أنواع من الجرائم التي نذكرها في توجهنا للمحكمة الدولية تقوم بها إسرائيل:

- جرائم التعذيب أو المعاملة القاسية واللاإنسانية ذات طابع مشابه (مخالفة بند 8(2)_إ)_2)، و8(2)(أ)(3)، 8(2)(ب)(21) من معاهدة روما.

- طرد أو نقل غير قانوني لسكان مناطق محتلة. مخالفة بناء على بنود 8(2)(أ)(7)، 8(2)(ب)(8) لوثيقة روما.

- منع المحاكمة العادلة، مخالفة وفق بنود 8(2)(أ)(6) لوثيقة روما.

وكل هذه الجرائم التي نذكرها تشكّل جرائم حرب، كونها تتمّ في حالة احتلال وضمنَها.

المحكمة العليا في قرارها المعروف منذ العام 1999، منعت التعذيب ومنعت أشكال تحقيق معينة ووضعيات تعذيب معروفة كالـ"موزة" و"الضفدع" التي تصل حد التعذيب. لكن الإفادات التي تصلنا من الأسرى والمعتقلين المشتكين، تؤكد أن "التحقيقات العسكرية" والتهديدات بتنفيذها مستمرة، ومنع النوم والتحقيق المتواصل لساعات طويلة، والتقييد بالكرسي بوضعيات صعبة ومؤلمة، والضرب والصراخ وشد أعضاء الجسم، والعزل ووضع المعتقل في زنازين بظروف قاسية كالتبريد والإضاءة المستمرة التي تمنع النوم، والتهديد باعتقال أفراد العائلة، والتهديد الجنسي، ومنع المعتَقَل من استخدام المراحيض وما إلى ذلك؛ وكلها ممارسات تصل حد التعذيب، وما تزال مستمرة رغم كل الشكاوى التي قدمناها نحن، وغيرنا من المؤسسات.

("أ ب أ")

القانون الدولي- اتفاقية مناهضة التعذيب، تمنع بشكل قاطع التعذيب أو حتى المعاملة السيئة والمهينة واللاإنسانية. مبادئ "مانديلا" حول معاملة الأسرى والمعتقلين تؤكد كيف يجب التعامل مع المعتقلين، وفي رأس هذه المطالب احترام حق المعتقل بالكرامة وعدم انتهاك إنسانيته. لا بل حتى قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، الإسرائيلي، يتحدث عن الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته. لكن للأسف حين يصل الأمر للمعتقلين السياسيين والأسرى، تتغيّر المعاملة.

التعليقات